كمزار العُمانیة.. قریة فریدة صنعتها الجغرافیا

الدقم على خطى المدن الذكية العالمية
أبريل 9, 2019
تعزيز التعــاون الثنائي مــع النمـسا
أبريل 14, 2019

مازن المحفوظي-كمزارتبث الشمس خيوطها معلنة يوما جديدا على هذه القرية الوادعة، يفترش محمد الأرض أمام البحر رفقة من عاصروه أيام شبابه، يحكي قصص الأولين الذين صنعوا الأمجاد وجابهوا الصعوبات من أجل الحياة في كمزار.

تقع كمزار في أقصى الشمال العماني بمحافظة مسندم، وهي قرية صغيرة محصورة بين الجبل والبحر على مضيق هرمز، والذي يعد واحدا من أهم الممرات المائية في العالم، حيث يعبر من خلاله ما نسبته 40% من النفط العالمي، ولا يمكن الوصول إلى القرية إلا عن طريق البحر أو الجو.

ويصف الرحالة الألماني بوخارت موقع كمزار في كتاب “رحلة عبر الخليج العربي” لـ أنيغرت نيبا وبيتر هربسترويت “إنه يقع ضمن جون (خليج صغير) عريض محاط بجبال عالية، الأبنية هناك واطئة ومشيدة بالحجارة وأهم الأبنية مسجدان مجللان بالبياض”.

كمزار شهدت حركة تجارية نشطة في الماضي (الجزيرة نت)

وما يثير استغراب الناس ممن سمعوا عن القرية أن أهلها لا يتحدثون العربية كلغة أساسية، فهم يتحدثون الكمزارية وهي مزيج من عدة لغات أهمها الفارسية والهندية والإنجليزية والعربية والبلوشية، ويعتبر العديد من الباحثين والمهتمين بشأن كمزار أن هذه اللغة باتت مهددة بالاندثار بسبب التمدن، وانتقل عدد كبير من أهل كمزار إلى مدينة خصب المركز الرئيسي للمحافظة.

ذكريات الأجداد
متكئ على جدار بيته، يحكي الستيني محمد مال الله الكمزاري مستعيدا ذكريات أجداده أن القرية شهدت حركة تجارية نشطة في الماضي، وكان التجار يستريحون فيها أثناء ترحالهم، ويتزودون بالماء من البئر الوحيدة في كمزار آن ذلك، هذه البئر التي تم ردمها بعد استبدالها بمحطة تحلية للمياه.

ولعل ما يؤكد كلام أحمد ما ذكره ياقوت الحموي في كتاب “معجم البلدان” عندما وصف القرية بأنها “بليدة صغيرة من نواحي عمان على ساحل بحرة في وادي بين جبلين شربهم من أعين عذبة جارية”.

سميت بهذا الاسم نسبة لكثرة الزوار (الجزيرة نت)

سميت “كمزار” بهذا الاسم نسبة لكثرة الزوار وهو المرجح عند الباحثين لما ورده المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر” كم زار هذا البلد من بشر؟ حيث تشير “كم” إلى الكثرة.

كما أن هناك مبررا آخر لهذه التسمية، وهو نسبة إلى الكمة (قبعة الرأس) والإزار وهذا ما تستبعده الباحثة العمانية مكية الكمزارية، لأن الكمة ليست اللباس التقليدي لأهل كمزار.

وينحدر من الجبال الشاهقة واد يشق القرية إلى ضفتين متقابلتين، ويلتمس الزائر من مكان أجواء الزمن القديم حيث بيوت الطين والحجر، وإن بقي منها القليل بسبب طغيان البناء العمراني الحديث.

الشتاء والصيف
وما يتميز به أهل كمزار أيضا رحلة الشتاء والصيف، حيث يغادر معظم السكان في يونيو/حزيران إلى مدينة خصب لقضاء وقت الصيف هربا من الأجواء الحارة، حيث تصل درجة الحرارة إلى منتصف الأربعينيات مع ارتفاع كبير في نسب الرطوبة بسبب اجتماع البحر والجبل.

يغادر معظم سكان كمزار في يونيو/حزيران إلى مدينة خصب (الجزيرة نت)

كذلك حصاد موسم القيظ (حصاد النخيل) ويملك معظمهم مزارع ومساكن في خصب يهتمون بشأنها، ثم يعودون إلى القرية عندما تفتح المدارس أبوابها في سبتمبر/أيلول.

انتشرت مقاطع كثيرة على وسائل التواصل عن قبور كمزار، أثارت الاستغراب بسبب انتشارها في كل مكان بكثرة، بما فيها الأزقة وباحات البيوت، ويرجع ذلك لضيق المكان حتى للمساكن، حيث أصبح التوسع الأفقي غير ممكن. أما السبب الآخر فهو رغبة البعض دفن موتاهم بجانب أهليهم وأقاربهم. كما يبرر وجود هذا العدد من المقابر بالقرية ما رواه الأهالي ممن سمعوه من أجدادهم أن وباء فتك بالكثيرين في القرن الماضي، وأصبح الموت عادة يومية آنذاك وامتلأت المقابر بهم.

أنس الليل في كمزار (الجزيرة نت)

يظن العديدون أن كمزار تعيش في معزل عن العالم وأن أهلها منغلقون على أنفسهم، والحقيقة أن هذه القرية بالرغم من جغرافيتها الصعبة فإن الحكومة أولت اهتماما كبيرا بها، فوفرت الخدمات الأساسية من مدرسة ومستوصف صحي ومياه التحلية ومراكز شرطة وبلديات، كما وفرت قاربا وطائرة للإسعافات الطارئة.

وتوفر الإنترنت الذي غير شكل الحياة هناك، فهم يعيشون الآن حالهم كحال القرى العمانية الأخرى، كما أن أهلها خرجوا للدراسة بالكليات والجامعات في العاصمة مسقط وباقي الولايات الأخرى، ومنهم من يعمل بمختلف مؤسسات الدولة والشركات الخاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *