ناقش مؤتمر «اقتصاد المحيطات وتكنولوجيا المستقبل» الذي تنظمه وزارة الخارجية برعاية عمان ويأتي ضمن أجندة المنتدى الدولي لدبلوماسية العلوم والتكنولوجيا ، الفرص الاستثمارية الحديثة التي يوفرها «الاقتصاد الأزرق» في عالم المحيطات ودور الدبلوماسية في صياغة تشريعات دولية تحمي موارد هذا الاقتصاد وترشده. وكان المؤتمر قد افتتح أعماله صباح أمس بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض برعاية صاحب السمو السيد شهاب بن طارق آل سعيد مستشار جلالة السلطان بمشاركة أكثر من ٩٠٠ مشارك و80 عارضًا و٨٦ متحدثًا وخبيرًا دوليًا يمثلون ٣٠ دولة. وقال معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية: إن المؤتمر ينطلق من هدف نبيل يتمثل في فهم واقع المحيطات في العالم والتعرف على التقنيات الحديثة للاستثمار فيها وإثراء الاقتصاد ليس في معناه الضيق المتعارف عليه اليوم ولكن بمعناه الواسع والعام.
وقال ابن علوي في حديث للصحفيين بعد حضوره افتتاح المؤتمر: إن العمانيين استخدموا التقنيات واستخدموا الدبلوماسية منذ أزمنة قديمة في علاقاتهم مع الدول المجاورة وخلال التجارة بين عُمان والهند وعمان وشرق أفريقيا، موضحا أن التقنية التي استخدموها في تلك المرحلة تمثلت في السفن الشراعية وما استلزمته من تقنيات والدبلوماسية من خلال قدرتهم على استمرار التجارة واستدامتها.
وقال الوزير: إن هذا المؤتمر ومؤتمرات أخرى قادمة سوف تبحث كيف يمكن الاستفادة من الأبحاث والعلوم الحديثة في جهود عمان الصاعدة في مجال اقتصاد المحيطات وكيف تكون عُمان في شراكة مع العالم في هذا المجال وفي مجالات التقنيات الحديثة والصناعة الذكية. وأشار ابن علوي إلى أن الخارجية العمانية تسعى حثيثا من أجل تمازج الدبلوماسية بالتقنية الحديثة وصولا إلى آفاق أرحب خدمة للاقتصاد والمعرفة وهذا المؤتمر هو خير دليل على ذلك.
ابن علوي: العمانيون استخدموا التقنيات والدبلوماسية منذ قرون عبر «السفن الشراعية» و«استدامة التجارة مع العالم» –
من جانبه أشاد عبداللطيف بن راشد الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي بالنهضة التي تشهدها السلطنة واهتمامها بالمجالات العلمية وتوفير البيئة المناسبة للشباب العماني للنهوض بالاقتصاد العماني.
وقال الزياني: إن مؤتمر دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا رائد وغير مسبوق في المنطقة من حيث تركيزه على اقتصاد المحيطات والبحار وربطها بالعلوم والتقنية والدبلوماسية، مؤكدا على حاجة المنطقة إلى مزيد من الأبحاث في هذا المجال والمؤتمر فرصة مهمة لاستقراء آراء العلماء والباحثين المتخصصين في مجالاتهم.
والسلطنة هي الدولة الخليجية الوحيدة المطلة على محيط هو المحيط الهندي. وتمتد سواحل السلطنة على أكثر من 3000 كيلو متر. وأشارت أوراق المؤتمر إلى أن السلطنة من الدول القليلة في المنطقة التي تربط الجانب الدبلوماسي في صناعة تكنولوجيا المستقبل. ويوجد في الوزارة مكتب لنقل العلوم والمعارف التكنولوجية. كما أكد المؤتمر على أن السلطنة منضمة إلى الكثير من الاتفاقيات المعنية بالمحيطات وآلية حمايتها والاستفادة منها.
وركز المؤتمر على الاستثمار في الاستزراع السمكي بشكل خاص، وتجارة النقل عبر المحيطات، والحصول على الطاقة عبر طاقة الأمواج والرياح ودور العلوم والتكنولوجيا الحديثة في استدامة هذه الأنواع من الاستثمارات التجارية إضافة إلى دور الدبلوماسية في صناعة تشريعات وقوانين واتفاقيات دولية.
وكان المؤتمر قد افتتح بكلمة لسعادة عبد السلام المرشدي، الرئيس التنفيذي لصندوق الاحتياطي العام للدولة تحدث فيها بلغة الأرقام حول اقتصاد المحيطات مؤكدا أنه يعادل حاليا 2.4 تريليون دولار سنويا.
وقال المرشدي إن المؤتمر فرصة لاستكشاف سبل أخرى لزيادة حصة المحيطات من اقتصاد العالم.
وأضاف: تقدر الوظائف المباشر الناتجة عن الأعمال الاقتصادية في المحيطات بـ31 مليون وظيفة، وهو رقم متواضع إذا ما تمت مقارنته بما يمكن أن تقدمه لنا المحيطات من فرص. وفي ورقة أخرى قدمت في المؤتمر قال آرسينو سايمون الشريك في مؤسسة «أي. تي. كيارني» العالمية إن اقتصاد المحيطات يوفر 350 مليون فرصة عمل غير مباشر في كل سنة.
وأشار المرشدي في كلمته الافتتاحية أن 90% من البضائع حول العالم تنقل عبر المحيطات، وهي من أقل الوسائل تكلفة في النقل، وأن 34% من النفط والغاز المنتج حول العالم ينقل عن طريق المحيطات.
وأردف: «تتمتع السلطنة بإطلالة بحرية تمتد لأكثر من 3 آلاف كيلو متر»، مؤكدا أنها «فرصة لندعم الاقتصاد في السلطنة، وزيادة دخل الفرد وتنويع مصادر الدخل، والأهم من ذلك خلق فرص وظيفية تتعدى الصيد التقليدي وتذهب إلى تقنيات المستقبل». وتحدث المرشدي عن الفرص الاستثمارية في اقتصاد المحيطات التي تتمثل في الصيد والاستزراع السمكي وتوليد الطاقة، والنقل، والنفط والغاز والتعدين، والتحلية، والصناعات الدوائية والغذائية، والرياضة و السياحة وغيرها.
وأوصى المرشدى بالاهتمام بمشاريع الاستزراع السمكي لسد الاحتياج المتزايد للأسماك والتي لم تعد المحيطات قادرة على سده، وأضاف: يعتمد أكثر من 3 مليارات من البشر حول العالم على الأسماك كمصدر للبروتين، ويعتمد عليه أكثر من 300 مليون شخص كمصدر للدخل. ويشهد استهلاك الأسماك تزايدا كبيرا ولا تستطيع المحيطات مواكبة هذا التزايد وهنا يأتي دور مشاريع الاستزراع السمكي لسد هذا الاحتياج .
وقال المرشدي: هذا المؤتمر هو ملتقى لتيسير التعاون والابتكار عبر سلاسل التوريد لجميع قطاعات الصناعة، ويمثل هذا الحدث فرصة مثالية لتبادل المعارف والخبرات وعرض التكنولوجيات الجديدة.
من جانبه قدم مصطفى الهنائي، الرئيس التنفيذي للمجموعة العمانية للطيران عرضا مرئيا تطرق خلاله إلى تكامل قطاعي النقل البحري والجوي، وقال: تتكامل الخدمات اللوجستية الجوية والبحرية لربط السلطنة بالأسواق الدولية، فمجموعة عمان للطيران تمكن الاقتصاد العماني للوصول إلى ثلثي العالم في أقل من 8 ساعات. وأضاف: تمثل صادرات الأسماك العمانية عبر الشحن الجوي حاليا قرابة 1٪ من إجمالي صادرات المنتجات السمكية مما يبشر بفرص واعدة لنمو الصادرات الجوية للقطاع السمكي.
جلسات المؤتمر
وافتتح بول هولثس، رئيس المجلس العالمي للمحيطات أولى جلسات المنتدى الحوارية بعنوان «اقتصاد المحيط ودبلوماسية العلوم»، حيث قدم هولثس ورقة عمل حول التنمية المستدامة للمحيطات. وقال: «هناك أكثر من 4 تريليونات دولار أمريكي تنتج عن أنشطة اقتصاد المحيطات سنويا، وتجني الولايات المتحدة على سبيل المثال 282 مليار دولار منها وتوفر 2.8 مليون وظيفة من القطاع، وتمثل عوائد أنشطة اقتصاد المحيطات ما يقارب 9.4% من الناتج المحلي الإجمالي للصين وتخلق أكثر من 35.5 مليون وظيفة.
وتناول بيتر جلوكمان، مؤسس ورئيس، شبكة العلوم الدولية الاستشارية للحكومات ، رئيس المجلس العلمي الدولي في نقاشه خلال أولى الجلسات الحوارية مفهوم «دبلوماسية العلوم»، وقال دبلوماسية العلوم تعني الرجوع للعلوم والمعرفة لوضع قوانين وبناء شراكات دولية بناءة» ، وأضاف: يمكن أن تتمثل تلك الدبلوماسية على هيئة شراكة بين مجموعة من الحكومات للاستفادة من الثروات البحرية. وأضاف: «عُمان واحدة من عدد قليل جدًا من البلدان التي تشمل العلوم والتكنولوجيا بشكل صحيح في منظومة صنع السياسات العامة».
وأكد جلوكمان على أهمية توظيف التقنيات الحديثة في محاربة الآفات والتحديات التي تواجه المحيطات وتساءل في ما إذا كان بإمكان العالم تطوير بكتيريا بحرية تقضي على المخلفات البلاستيكية العالقة في المحيطات!
وقال محمد خورشيد، رئيس وحدة الشؤون البحرية ببنجلاديش بأن قضايا اقتصاد المحيطات من الأمور التي تهتم بها بلاده والسلطنة وبلدان شرق آسيا على وجه العموم كونها من رواد هذا القطاع، إلا أنه قال إن على هذه البلدان أن تولي اهتماما أكبر لاستغلال ثروات المحيطات لإيجاد وصنع عقاقير لمعالجة الأمراض المنتشرة على سطح تلك البلدان. وأضاف: تمر من خلال المحيط الهندي وبحر عمان مئات الآلاف من السفن ولا يمكن لنا أن نتقدم اقتصاديا ما لم نضع تشريعات لتنظيم عمليات الصيد والحد من التلوث المنبعث منها، ولا أرى سبلا أكثر فعالية للتقدم في هذه المجالات أفضل من الاعتماد على العلوم والتقنيات الحديثة.
وأشاد خورشيد بجهود السلطنة في مجال الاستزراع السمكي والذي يمثل الحل الأنسب لمواجهة تحديات الأمن الغذائي. وقال إن 50% من الثروة السمكية تأتي عن طريق الصيد المباشر، ولكن إن كنا نود إطعام المليارات من سكان العالم فأنه يجب على الحكومات التركيز على الاستزارع السمكي.
وتحدث أتسوشي سونامي، رئيس معهد بحوث سياسة المحيطات باليابان حول دور المعهد في نشر الوعي حول الاقتصاد الأزرق وكيفية استدامته وجهوده في القضاء على التلوث البحري وخاصة مخلفات البلاستيك، ودعا الجهات المختصة بالسلطنة لزيارة المعهد وإلى تبادل الخبرات بين البلدين.
فيما تحدث جانتر باولي، رائد أعمال ومؤلف كتاب «الاقتصاد الأزرق» حول أهمية تسخير التكنولوجيا في مصائد الأسماك، وقال:«استطعنا مضاعفة عدد الأسماك 10 مرات عبر استخدام تقنية صيد تجنبنا صيد اناث الأسماك المقبلة على وضع البيض». وقال بأن علينا أن نفكر بالحلول بدلا من متابعة مناقشة التحديات مرارا وتكرارا والتركيز على الذكاء الاصطناعي عند بناء السفن الحديثة وتوظيف الطاقات النظيفة والمتجددة للحد من التلوث والمساهمة في استدامة المحيطات والحفاظ على البيئة البحرية.
وكشفت الجلسة الثانية في المؤتمر التي حضرها معالي الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام فرص تعزيز التنمية المستدامة في المحيطات. وشارك في الجلسة كل من جاكوب جرانيت المدير العام للوكالة السويدية للإدارة البحرية والمائية، وآنا كوستيوك، مسؤولة سياسات بالمديرية العامة للشؤون البحرية والمصائد بالمفوضية الأوروبية ويوكايم غوس استاذ محاضر بجامع كولومبيا.
وأكدت الجلسة الثانية على أهمية موقع السلطنة الفريد ووعيها بثقافة اقتصاد المحيطات لكنها رأت من الضروري أن تكون في السلطنة منظمة تعنى باقتصاد المحيطات، والعمل على تطوير القدرات وبناء شراكات مع أصحاب العمل في الداخل والاستماع إليهم. كما أكدت الجلسة عبر المتحدثين فيها إلى أهمية الابتكار في كنف الحكومة والاستثمار في الذكاء الاصطناعي ووجود تشريعات.
وتناولت الجلسة الثالثة دور التكنولوجيا والابتكارات الحديثة في تنمية اقتصاد المحيطات، قال خلالها الخبراء بأن تقنيات الأقمار الصناعية تجمع 10 بلايين نقاط معلوماتية كل عام يحولها إلى معلومات تستخدم لمراقبة وتوقع النشاط في المحيط، وأنه بالرغم من وجود الكثير من البيانات حول المحيطات إلا أن استخدام لا يزال قليل ومحدود. وشارك جانتر بولي الحضور تجربة يخت «ذا ريس فور واتر» الذي يستخدم خبرات البحارة، والبيانات من النجوم والتيارات ليجوب المحيطات، ومن المتوقع أن يصل إلى السلطنة في عام 2021. وأوصى عمر كريستيديس، مؤسس ورئيس تنفيذي في «عرب نت» بالاستفادة من البيانات المتاحة لخدمة رواد الأعمال، الذين بدورهم سيستخدمونها لدعم اقتصاد المحيطات.
في حين تناول الخبراء في الجلسة الرابعة الاستثمار في اقتصاد المحيطات، تحدثوا خلالها فيها عن السبل التي يمكن من خلالها أن تتعاون الدول لنهضة هذا الاقتصاد.
وقالوا بأن هناك نوعين من الشراكة بين أما أن يكون في النقاط المشتركة وهو ما يؤدي للتعاون الفاعل الذي يعود بثمار إيجابية على جميع الأطراف، أو الشراكة القائمة على تشارك نقاط الاختلاف والتي عادة ما تبدأ بالصراع وتنتهي بخسائر. وذكر الخبراء بأن على الدول أن تضع المصالح المشتركة والعلوم وأهداف التنمية المستدامة فوق جميع صراعاتها.
ويتابع المؤتمر اليوم وغدا مجموعة من القضايا العلمية والأكاديمية والتشريعية والاقتصادية والأمنية والدفاعية المتعلقة باقتصاد المحيطات والتحديات التي تواجه من خلال أوراق العمل التي يقدمها أكثر من 80 مشاركا من داخل وخارج السلطنة. وستتناول أجندة المؤتمر اليوم ملامح اقتصاد المحيطات في السلطنة، ومصائد الأسماك، واستخدام الطاقة المتجددة في المحيطات وقضايا نقل البضائع والقطاع اللوجستي، وتربية الأحياء المائية، والآثار المترتبة على استخراج النفط والغاز والتعدين البحري بالإضافة إلى المهارات والكفاءات المطلوبة في قطاع اقتصاد المحيطات. كما سيناقش المؤتمر غدا مفهوم «دبلوماسية العلوم» والحاجة لتطبيقه، ودور القطاع الدبلوماسي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وذلك من خلال عدة ورش عمل ومختبرات عملية نقاشية.