البازعييرى ان جائزة السلطان قابوس /لفتة كريمة/ نحو العلوم الإنسانية.. النشرة الثقافية 26/12/2017

قرية “وادي العربيين” تحفة نحتتها الطبيعة 26/12/2017
ديسمبر 26, 2017
التليجراف البريطانية: السلطنة وجهة متميزة تجمع بين الأصالة والمعاصرة 26/12/2017
ديسمبر 26, 2017

 

نال جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في دروتها السادسة (مجال النقد

الأدبي/ فرع الآداب)، من الأسماء الفكرية الوازنة، حيث يشكّل منجزه المعرفي علامة

بارزة في المشهد الثقافي العربي.

وتتركز اهتمامات البازعي الذي وُلد عام 1953م بمدينة القريّات السعودية ، في الدراسات

الأدبية والفكرية ذات البعدَين الثقافي العام والفلسفي إلى جانب الترجمة.

ولأنه يمتلك تجربة ثرية في تأصيل الفكر النقدي والبحث في العلاقة مع الآخر، فقد كتب

البازعي باستفاضة في “الاختلاف الثقافي” و”مقاربة الآخر” و”استقبال الآخر”، لتأكيد

حضور الآخر وضرورة التفاعل معه، موضحاً أن قدراً كبيراً من ذلك التفاعل متحقق

فعلاً طوال التاريخ، فلا نهوض ولا حضارة من دون تفاعل منفتح وواعٍ مع الآخر.

ويلفت البازعي إلى أن مفهومَي “الانفتاح” و”الوعي” أساسيان لما يشير إليه في كتابه ”

الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف” 2008م. مخاطباً الأيديولوجيات التي تلغي الآخر بأن

عليها أن تدرك أن هذا الآخر حاضر في خطاباتها ومفاهيمها وأدوات عيشها اليومي، وأن

السبيل الأنجع ليس الإلغاء وإنما إدراك ما يجري والتعامل معه بوعي ورؤية إنسانية

رحبة.

ورغم أنه من أبرز دعاة الحداثة، إلا أنه يوضح فهمه الخاص بـ”الحداثة”؛ فهو مواكَبة

العصر، وتقبُّل مستجداته بضوابط محددة، في محاولة لتوليد حالة ممتزجة بأفضل ما أُنتج

في العصور السابقة.

وينتقد البازعي خطاب التنوير العربي، من المنطلق نفسه الذي ينتقد فيه الخطاب

الأصولي، أيْ “التأدلج” و”اختيار النقل بدلاً من العقل”. وهو يرى أن التنويريين العرب

نقليّون غالباً، وأنهم عالة تعتاش على المعطى الفكري الغربي التنويري، وقلّما نجد في

نتاجهم إبداعاً يستوعب الاختلاف الثقافي ومستجدات التاريخ. ولهذا السبب كرّر غير مرة

أنه رغم انتمائه إلى “التنوير العقلاني” فإنه يحاول قدر المستطاع أن يحتفظ بمسافة تنقذه

من الغرق في “قناعات تنويرية تتحول إلى أصوليات في قضايا ليست من المقدسات”.

ويشدد البازعي على أهمية الاحتفاظ بـ”مسافة صحّية” من المراجعة تجاه الآخر وتجاه

الذات على السواء. فالتنوير “ضرورة فكرية وحضارية”، لكن ينبغي أن يخضع للنقد

الذاتي واكتشاف مواطن الضعف، ومن ذلك “تقديس الآخر”.

لهذا السبب، يطالب المفكر الذي يزدهي رصيده بأكثر من 80 مؤلَّفاً وبحثاً محكماً في

العلوم الإنسانية، بعدم اجترار مقولات التنوير الغربي من دون مساءلة ونقد، لأن الغرب

نفسه تجاوز كثيراً من هذه المقولات، ولأن التنوير بحاجة إلى مثل تلك المواقف التي لا

تعني التخلي عن العقلانية والانفتاح وسواهما من أسس، لكنها تعرض ما تنطويان عليه

من مفاهيم وقناعات للمراجعة الدائمة.

في كتابه “قلق المعرفة… إشكاليات فكرية وثقافية” 2010م يرى البازعي أن القلق هو

مصدر المعرفة والناتج عنها في الوقت نفسه، موضحاً أن الذي يقصده ليس القلق

المرَضي، بل القلق المبدع الذي ينشأ عن الأسئلة ورؤية ما لا يراه الآخرون، وهو أيضاً

“القلق الناشئ عن عدم القدرة على طرح تلك الأسئلة أو التعبير عن الرؤيا نتيجة عوائق

مادية أو معنوية خارج الذات القلقة، وليس العوائق الناتجة عن العجز الذاتي عن القول”.

وهو يؤكد أن الهوية الجمعية أكثر ثباتاً من نظيرتها الفردية، وأن الهوية الجمعية العربية

تصدر عن مرتكزات عدة، منها التاريخي والاجتماعي والسياسي والثقافي. وأن اللغة

مصدر أساس للهوية، ليس من حيث هي وسيلة للتخاطب والاتصال فحسب، وإنما لأنها

المخزن التاريخي لكل مكونات المجتمع أو الشعب أو الأمة، لذلك حين تهتز اللغة أو

تتغير ترتبك الهوية وتتغير.

ويعزو البازعي تحوُّلَ العلوم الإنسانية إلى الكيانات الهامشية و إلى تقاطُع مكونات ثقافية

تتمثل في الخط التقليدي القادم من الموروث، والخط الحداثي الذي تشكلتْ بتأثيرٍ منه

الكثيرُ من البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا العربية .

شارك الدكتور سعد البازعي في ترجمة كتاب “الأخلاق في عصر الحداثة السائلة”

2016م بدافعٍ من اهتمامه باكتشاف خصوصيات الحضارات ومنها الحضارة الغربية،

فمؤلف الكتاب “زيغمونتباومن”، وهو يهودي متهَم بمعاداة السامية، لا يقدم الحضارة

الغربية من الزاوية التي اعتدنا عليها، ولكن من زاوية تحلل هذه الحضارة بعمق

وبأسلوب قريب من القارئ غير المتخصص.

ويَقصد البازعيبــ”السيولة” الواردة في عنوان الترجمة العربية للكتاب، أن الحدود

القائمة بين كثير من الأشياء لم تعد موجودة، فالدولة السيادية التي تسيطر على حدودها

كاملة لم تعد موجودة، ولم تعد هناك دولة مستقلة تماماً كما كان في بداية القرن العشرين،

وكل دولة الآن هي مجموعة من الكيانات الصفيرة المشتّتة، والشرق الأوسط مثال واضح

على سيلِ البشر والمال والهويات من منطقة إلى أخرى، وهنا يأتي مفهوم “الحداثة

السائلة” في مقابل “الحداثة الصلبة”.

ويرى البازعي أن الأخلاق ينبغي أن تضطلع بدور مركزي في العالم الاستهلاكي “عالم

الحداثة السائلة” ، الذي يتسم بتدفق البضاعة وتغيُّر القيم في عصر الإنترنت ووسائل

التواصل الاجتماعي التي ضيّعت المسؤولية الأخلاقية وحلت محل الجماعة التي تكون

ذات هوية واضحة ومحددة في العادة.

ويناقش الدكتور البازعي في كتابه “استقبال الآخر” 2004م استقبال النقّاد العرب لمناهج

النقد الغربي، قاصداً بالاستقبال هنا اتخاذ الغرب قِبلةً، وتلقّي ما يصدر عنه بانبهار

وإعجاب والتعامل معه بشيء من التقديس على حساب المساءلة والنقد. وهو في هذا

الطرح يتجاوز النقد الأدبي بوصفه علماً متخصصاً إلى الثقافة بعمومها. لكنه لا يدعو إلى

نبذ المناهج النقدية الغربية، وإنما إلى غربلتها بحيث تلائم الأدب العربي.

وفي هذا السياق، يرى أن أوروبا حين استقبلت إبن رشد، كانت تستقبل فيلسوفاً من

حضارة متفوقة تحتاج إليه، لكنها استقبلت ابن رشد الذي يناسبها هي، وقامت بتبيئة فكره.

فمثلاً أخذ المؤرخ الفرنسي آرنست رينان من ابن رشد ما يلائم فرنسا في القرن التاسع

عشر، ولم يُظهر اندهاشاً أو ترديداً لمقولاته البعيدة وغير الملائمة للبيئة الفرنسية. مثلما

يفعل بعض العرب في عصرنا الحالي مع مقولات ميشيل فوكو ورولان بارت وجان بول

سارتر وسواهم.

ولهذا يدعو البازعي إلى قراءة الثقافة الغربية ولكن بذات قوية ناقدة ومتسائلة، وليس على

طريقة بعض ليبراليي العالم الثالث الذين يريدون أن يَصْدِموا بالطرح الغربي واقعَهم

الثقافيَّ الذي لا يرضون عنه.

ويسعى البازعي في كتابه “جدل الألفة والغربة: قراءات في المشهد الشعري المعاصر”

2015م إلى تتبع العلاقة بين الألفة والغرابة كجدلية قائمة تستدعيها العملية الإبداعية،

حيث يؤكد أن هذه الثنائية تكمن في جوهر الكثير من الإبداع ليس الأدبي فحسب وإنما

الفني؛ ويوضح أن إحدى مهمات الإبداع هي “إزالة القشرة الصلبة التي يخلفها التكرار

والعادة مما يتراكم بفعل ألفتنا، فيتوارى الكثير عن إحساسنا وإن لم يتوارَ عن أحاسيسنا..

نرى ونسمع ونتذوق ونشم ونلمس لكننا لا نتواصل مع دلالات الأشياء أو مع فتنة الجمال

فيها ما أسرّ الفنان بإحساسه المرهف فنقله إلينا”.

وهو يقرّ بعدم وجود منهج محدد له في النقد، مؤكداً أنه ليس منشغلاً بالتمذهب ضمن

منهج نقدي أو فكري محدد، وأن هذا “نوع من الأصالة من خلال أن يأبى المفكر أن تتم

قولبته، مثلما يدل على روح متسائلة وباحثة عن الحقيقة أينما وُجدت في يمينٍ أو يسار”.

وكان البازعي قد قال في تصريح للصحافة العمانية عشية تسلّمه جائزة السلطان قابوس

مؤخراً، إن لهذه الجائزة معنى خاصاً كونها تحمل اسم قائد النهضة العُمانية الحديثة جلالة

السلطان قابوس بن سعيد المعظم “ما يمنحها قيمة مضاعفة”. وأضاف أن منحَهُ الجائزة

يمثّل “لفتة كريمة” نحو العلوم الإنسانية، والمشتغلين في الحقل النقدي في العالم العربي.

مثمناً للجنة الجائزة اختيار حقل النقد الأدبي بوصفه متصلاً اتصالاً وثيقاً بالعلوم الإنسانية

التي تعدّ من أهم الحقول المعرفية لأنها تتصل بالإنسان، وتقود الفكر وترسم المستقبل.

يُشار إلى أن الدكتور البازعي وُلد في مدينة القريات بالسعودية 1953م حصل على

شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة الملك سعود 1974م، وشهادة

الماجستير من جامعة بردو بالولايات المتحدة الأمريكية 1978م وشهادة الدكتوراه من

الجامعة نفسها 1983م ، وهو يعمل أستاذاً للأدب الإنجليزي والمقارن والشعر الحديث

والنقد الأدبي بجامعة الملك سعود منذ عام 1984م . وقد نال عضوية مجلس الشورى

بالسعودية عام 2009م .

رأس البازعي تحرير صحيفة “الرياض ديلي” باللغة الإنجليزية، وتولى تحرير الطبعة

الثانية من “الموسوعة العربية العالمية” 1999م ، ورأس مجلس إدارة النادي الأدبي

بالرياض، وشارك في تأسيس وإدارة تحرير عدد من الدوريات الأدبية السعودية مثل ”

قوافل” و”التوباد” و”النص الجديد”، ورأس لجنة التحكيم لجائزة الرواية العربية العالمية

(البوكر) عام 2014م.

تناول البازعي في أطروحته للدكتوراه موضوعَ الاستشراق في الآداب الأوروبية، ودرس

أدب الجزيرة العربية المعاصر، وأصدر في ذلك كتابه الأول “ثقافة الصحراء” 1991م.

ومن أبرز كتبه “المكون اليهودي في الحضارة الغربية” 2007م ، الذي طرح فيه الدور

الخطير لليهود في إنشاء الحضارة الغربية وتكوينها واستقرائها، وفي الحطّ من قدر

العرب والإسلام.

ومما أصدره البازعي أيضاً في النقد الثقافي والفكر والدراسات الأدبية والأدب المقارن:

“إحالات القصيدة.. قراءات في الشعر المعاصر” 1998م، “مقاربة الآخر” 1999م، ”

دليل الناقد الأدبي” (بالتعاون مع د.ميجان الرويلي، 2002م “أبواب القصيدة.. قراءات

باتجاه الشعر” 2004م “شرفات للرؤية.. العولمة والهوية والتفاعل الثقافي”2005م ”

الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف” 2008م، “جدل التجديد.. الشعر السعودي في نصف

قرن” 2009م، “سرد المدن.. الرواية والسينما” 2009م، “لغات الشعر.. قصائد

وقراءات” 2011م، “مواجهات ثقافية.. مقالات في الثقافة والأدب” (باللغتين العربية

والإنجليزية، 2014 م، “مشاغل النص واشتغال القراءة.. قراءات في الرواية والشعر

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *