تربط الإنسان العماني علاقة وثيقة بالنخلة منذ القدم،
وهو يوليها اهتمامه ورعايته فتقابله بمكرماتها من الثمار التي تكون قوتا له ولأسرته
طوال فصول السنة، ويستفيد من سعفها لصنع منتجات حرفية توارثتها الأجيال التي تمثل
مردودًا إضافيًا له ورافدًا سلعيًا للأسواق، لا سيما تلك المتعلقة بالزراعة وحصاد التمور.
وقد بدأت خلال هذه الأيام رحلة العطاء السنوية للنخلة التي تمر بمراحل عديدة، بدءًا من
مرحلة التنبيت (تلقيح طلع النخيل) وانتهاء بمرحلة الجني (حصاد التمور) لتخزينها
وأكلها في موسم الشتاء أو لبيعها.
وتبدأ مرحلة التنبيت في السلطنة بعد ما يطلق عليه محليا بــــــــ “طياح الصردة” وهو
موسم شديد البرودة تبدأ فيه عملية الطلع في الأصناف التي اشتهرت بسبقها في بدء
الرطب في فصل الصيف كنخيل البطاش، والمزناج، والمنحي، والقدمي، والنغال، وأم
السلى، وقش ثميد، وقش قاروت، وأنواع أخرى عديدة وهي الأشهر بين أنواع النخيل
السباقة في الطلع التي يتناقل العمانيون أخبارها منذ طلعها وحتى بدء حصاد ثمرها.
وتتم عملية (التنبيت) بعد تفتح طلع النخيل إذ يقوم المزارع بوضع النبات وهو عبارة
عن شماريخ (عناقيد ثمار النخيل) يتراوح عددها بين 1 و10 أو أكثر بقليل حسب صنف
النخلة مباشرة في طلع النخيل القصيرة (الشماريخ) أو بحزمها بشريط خفيف ليتمكن
الشريط من الانفتاح تدريجيا مع نمو الشماريخ الى أن تتحرر نهائيا من المادة المربوطة
بها، وتستخدم هذه الطريقة فقط لأنواع النخيل التي تكون شماريخ طلعها طويلة كالخنيزي
والخصاب.
وتعد عملية اختيار صنف النبات الذي تتم به عملية تلقيح النخيل مهمة لإنجاح عملية
التنبيت، كاختيار أصناف تمتاز بجودتها التلقيحية كفحول الجناديد الطويلة الشماريخ
والخور(الفرض)، ويشترط أن يكون طلع الفحل متفتحا ومليئا باللقاح، وألا يكون النبات
تالفا، ويعزف المزارعون عن تلقيح النخيل أيام الأمطار بسبب فشل العملية وعدم استفادة
النخلة منها.
وتستغرق فترة انتظار التنبيت أكثر من شهرين لتبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة
الانحدار اي النزول من ارتفاع الى منحدر ومحليا تعني (إنزال عذق النخلة من أعلى (
غدر) النخلة الى مستوى يمكن المزارع من جني الرطب.
وينقسم التحدير الى طريقتين، الأولى وهي “حدار التخليج” بمعنى أن يتم جذب العذق من
الأعلى ويوضع بعد ثنيه على (السعفة) المناسبة والمقابلة له ويثبت إما بأحد شماريخ
العذق أو بشريط بلاستيكي أو بواسطة (السرد) وهو منتج سعفي يدوي (حبل ليف) الذي
يصنع من ليف النخيل.
والطريقة الأخرى تعرف بـــــــــ”الجذب” وتختلف عن الأولى في أنها لا يتم وضع
العذوق فيها على (السعف) وإنما تجذب بحذر إلى أسفل (السعف) وتثبت بالمواد السالفة
الذكر على جريد النخلة بشكل دائري.
وبعد (حدار النخيل) أو مرور 4 أشهر تقريبا على النخلة سواء المحدرة أم غير المحدرة
يبدأ موسم جني وحصاد الثمار وذلك من خلال خراف (قطف) الرطب أولا ثم جداد
النخيل (قص عذوق النخيل) للحصول على التمور.
جدير بالذكر أن عملية تنبيت النخيل تختلف حسب نوع النبات وجودته وصنف النخلة
وطبيعة مناخ المكان ورطوبته، وتستغرق عدة أيام حسب تعامل المزارعين معها؛
فالبعض يفضل انتظار أن ينفتح جميع الطلع والبعض الآخر يقوم بتنبيت كل طلعة على
حدة، كما يحذر المزارعون من تأخير عملية التنبيت إلى أن تخضر شماريخ الطلع كثيرا
لأنه يسبب فشل عملية التنبيت كما في نخلة النغال، إلا في بعض الأنواع كالخنيزي
والخصاب.