عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
لفت انتباهي توقيع الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الاعلام في سلطنة عُمان .. وقد توقفت لأقرأ رسالة معنونة إلى صديقي “الشيخ مجيد الرواس” أحد قامات الاعلام العُماني ، في وقت مبكر ، فقد تعرفت على الشيخ مجيد منذ قدمت إلى السلطنة أول مرة وذلك في عام 1985، كنّا شبابا منفعلين مندفعين للعمل.. وكانت زيارتي كصحفي إلى مسقط لتغطية انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي التي تعقد في سلطنة عُمان لأول مرة، وقد كان الوزير آنذاك الشخصية المميزة عبد العزيز الرواس ، وهو الآن مستشار السلطان للشؤون الثقافية، وحين رآني أدخن السيجار وهو من عشاقه أهداني مجموعة، وقد ارتحل الصحفيون يومها إلى صلالة لزيارة الجبل والتمتع بمناظره الطبيعية ، فقد كانت ظفار معلما بارزا في عمان، وكما كانت صلالة مسقط رأس السلطان قابوس باعث نهضة عُمان المعاصرة وباني أسس نهضتها قبل أن يرحل..
في تلك الأيام تعرفت على الشاب النشيط مجيد الرواس الذي صاحب الوفود الصحفية الزائرة ليشرح ويوضح ، وقد استانست به كونه على اطلاع كاف عن الأردن وعلى صلة وثيقة به.
وانقطعت عن زياراتي لعُمان ولم أعد إليها إلا بعد عشرين سنة، وتذكرت المعالم التي كنت رأيتها إلى أن زرت السلطنة ، وكنت قد انجزت عنها كتاب “السلطنة والسلطان” .
وحين كنت أحضر إلى وزارة الاعلام .. كانت الشخصية المعنية التي قابلتها الشيخ مجيد الرواس والذي حمل لقب “شيخ” وهو لا يُعطى إلا لفئات محددة، وتذاكرنا الزمن الذي مضى وكان مجيد هو المرجع الذي عليّ أن التزم به في مراجعة كتابي والتدقيق فيه، وأقر أنه تعب معي في التدقيق والتمحيص واختيار الصور والغاء بعضها، ليكون الكتاب بمستوى من نكتب عنه، ولم يكتف نتاج حرصه على الدقة بذلك بل زارني بعد أسابيع إلى مكتبي في عمّان واستمتعت بزيارته التي كانت للعمل ، وقد انجزنا المراجعة للكتابة قبل ذهابه إلى الطبع كما عملنا معا على ترجمة كتاب جاهز عن السلطنة هو ” تاريخ عُمان” إلى اللغة الانجليزية، حيث اخترنا دار ترجمة مشهورة وكان لمتابعته ودقة الترجمة جهد كبير بذله مجيد الرواس وهو يتابع ويدقق إلى أن أنجز المهمة، بعد أن عاد إلى مسقط وقد صدر الكتاب” تاريخ عُمان” بالانجليزية، كما صدر كتابي عن السلطان قابوس وشهد المعارض الدولية وكان محط اهتمام وتميز ، وأقر لمجيد بصمات واضحة على هذه الكتب حين كان يبذل جهدا مميزا حتى لا تقع الأخطاء مدركا تعقيدات صناعة الكتاب..
لم يكن مجيد الرواس مرتاحا أحيانا في عمله في رئاسة قسم الاعلام الخارجي في سنوات بعيدة، ولكنه بدأ مرتاحا حين جاء إلى الوزارة شاب طموح ونشيط هو الدكتور عبد المنعم الحسني، ولكن مجيد أصبح متقدما في الخبرة وبدأ يخلي موقعه للشباب الطالعين الذي تتلمذ أكثرهم على يديه، فواظبت على زيارته في المقهى الذي كان يديم الجلوس عليه، كما رافقته لأكثر من مناسبة وعشاء طيب كان يخصني به.. وبدا لي كما لو أنه كان يعتزل الناس وبقيت أن ألتقيه في عمان الاردن دون أن يفارقه فرح اللحظات القليلة التي كان يحظى فيها بالراحة، وخاصة حين كنا نلتقي صديقتا المشترك الكريم سعادة أبو أحمد (مسلم البرعمي) سفير السلطنة في الأردن، والذي لم أفارقه طوال ثماني سنوات من سفارته في الأردن، وحتى بعد ذلك حين عودته إلى مسقط وحتى اليوم.. وكنت كلما زرت عُمان نلتقي ثلاثتنا.. لنتذاكر واستفيد من معرفتهم بتاريخ عُمان وعمق جذورها.
اليوم طالعتني رسالة الوزير الحسني حين حطت على بريدي الالكتروني فقرأت السطر الأول فيها الموجه إلى صديقي مجيد الرواس ، فقلت: يا ساتر، وما هي إلا أقل من جزء من الثانية حتى استبشرت وفرحت وأدركت مدى حاجة مجيد للإقرار بفضله بعد أن ظل صامتا ونال الآخرون على كل جهد أقل أكثر مما نال على جهد أكبر.
ولكن الأصالة التي يمثلها الوزير الحسني وحبه الشديد للكوادر التي تعمل أو عملت معه دفعته أن يرسل هذه الرسالة الجميلة إلى مجيد، وهي رسالة رسمية مروسة بشعار وزارة الاعلام ومؤرخة في 8/6/2020 .
أدركت ساعتها أنه حانت أن يتأمل مجيد مسيرته الطويلة وأن يرتاح من المتابعة فما جاء في الرسالة من إقرار بدوره وفضله واضح وجلي في خدمة وطنه وقائد وطنه..
إذن الآن أدركت أن مجيد قد انفك عن العمل الذي أمضى فيه سنوات طوال، وأن صديقنا الدكتور عبد المنعم الحسني لم يشأ إلا أن يمهر جهد تلك السنوات بتوقيعه، وأن يتوجها برسالة كريمة يستحقها مجيد الذي أضم دعوتي إلى دعوة الوزير الحسني أن يسبغ على صديقنا الشيخ عبد المجيد الرواس نعمة الصحة والعافية وأن تستمر رحلة عطائه في سماء عُمان العزيزة.