كفاح نساء فلسطين.. بقلم /ربى ريحاني (farahomarr.blogspot.com)
لطالما أحببت الاستماع للناس وللقصص المروية، كانت جلساتي الصباحية تبدأ بفنجان قهوة مع والدتي وبقصّة جديدة من ماضيها؛ قصّة تسردها لي عن حياتها قبل النكبة الفلسطينية كفتاة شابة عانت مُرّ الاحتلال والكفاح في سبيل العلم. كانت تحدّثني عن الظلم والأسى اللذيْن شاهدَتهما بأمّ عينيْها من الاحتلال والمحتلّ إلى أن هاجرت إلى الأردن وهي تحمل في قلبها غصّة، وبوجدانها حرقة ودمعًا على وطنها لم يجفّ يوماً.قرأت الكثير من مثل هذه القصص في كتابها الأول “نضالات المرأة الفلسطينية”، وفي كتاب آخر صدر حديثًا “كفاح نساء فلسطين” للكاتبة الإعلامية محاسن المغربي “الإمام”، الحارسة الأمينة على توثيق كل ما له شأن بالمرأة الفلسطينية من شرق النهر إلى غربه. فكتاباتها ولدت من رحم امرأة مقدسية أردنية وقعت تحت استبداد الاحتلال، وأُجبرت على التخلّي عن كلّ ما هو جميل اختبرته في كنف والديها وهي طفلة لم تتجاوز الرابعة من عمرها.كبرت محاسن كشجرة السنديان تصارع العواصف البشرية، وأخذت على عاتقها أن تناضل هي أيضاً بقلمها النابض بالحياة. فأبدعت بجرأتها وبحثها الدؤوب عن تفاصيل لم تُذكَر من قبْل عن المرأة الفلسطينية.كشفت لنا الكاتبة أن هذه المرأة ليست امرأة عابرة في هذه الحياة، وليست امرأة همّها الستر وتحمّل القهر، بل هي امرأة حملت البندقية وأطلقت النار ونصبت الكمائن، وهرّبت السلاح وتصدّت للعدو على قدر ما تملك من مال وقوّة لا بل وأكثر. رضيت أن تكون أماً للشهيد وأختاً للأسير، مضحّية عن وعي وإصرار والموت لا يعني النهاية لها، فكانت ذات تصميم على الشهادة من أجل الحرية.كتاب “نساء فلسطين” المحفور حبّاً بنبض الإعلامية محاسن يكشف لنا بأن دور المرأة السياسي ابتدأ منذ عام ١٩١٧ عند ظهور وعد بلفور. شاركت في المظاهرات والمسيرات والانتفاضات منذ ذلك الوقت، وبدأت تخطو خطواتها الأولى نحو تحرّرها الاجتماعي والوطني. شاركت في ثورة الشعب الفلسطيني ضدّ الانتداب البريطاني، وسارت مع الوفد لمقابلة المندوب السامي عام ١٩٢٠ للمطالبة بإلغاء الوعد المشؤوم.على إثر ذلك وفي خضّم الصراع الوطني تأسّس أول اتحاد نسائي فلسطيني على يد ميليا السكاكيني وزليخة الشهابي عام ١٩٣٨. بدأن بتنظيم المظاهرات وعقد المؤتمرات وتأليف لجان هدفها الوقوف في وجه الاستيطان، وبعضهن قَتلن عدداً من جنود الاحتلال فكانت حقبة مليئة بالزخم الثوري المتصاعد رغم حملات الاعتقالات الواسعة.بعد صدور قرار تقسيم فلسطين عن الأمم المتحدّة عام ١٩٤٧ اندفعت المرأة لتؤدّي واجبها الوطني في مقاومة القرار، بينما دورها الإنتاجي في تلك الحقبة كان ضئيلاً لظروف الواقع الاجتماعي والاقتصادي. فقد حُرمت الكثير من النساء من التعليم والعمل.ومع تصعيد النضال وازدياد القيود التي عانت منها المرأة والشعب الفلسطيني جملة وتفصيلاً، أدركت حينها المرأة الفلسطينية حاجتها للعلم والتسلّح به مهما جابهتها الصعاب. وفي ظلّ ذلك كانت حقوقها منتهَكة من خلال الممارسات القمعية من قبل سلطات الاحتلال أو في عملها في الصحافة والمطبوعات، وفرض الحصار على سكان المناطق المحتلّة وحظرت الدخول لتلك الأماكن وأبعدت الزوجات وأبناؤهن ومنعن من لمّ الشمل لأفراد عائلتهن وتشتيتهن من دون إبداء الأسباب، ناهيكم عن تهديدهن المستمر وضربهن الجميل في هذا الكتاب أنه لا يوثّق فقط حقائق، ولكنّه يوثّق سير النساء المناضلات على مدى قرن من الزمان. في الفصل الأخير منه ركّزت محاسن المغربي “الإمام” على دور المرأة الفلسطينية في الإعلام، فسواء فوّضت النساء لطرح القضية الفلسطينية على مائدة البحث في المؤتمرات العربية والدولية مثل السيدة هدى شعراوي وسائدة نصار، أو القيام بدورهنّ داخلياً وبالتحديد منذ إنشاء إذاعة القدس عام ١٩٣٦ وإذاعة الشرق الأدنى في مدينة جنين. لم يكن دورهنّ بارزاً كدور الرجل بسبب القيود الاجتماعية التي لم تسمح للمرأة بممارسة العمل الإعلامي على نطاق واسع. في الصحف قامت بعض النساء بالكتابة بأسماء مستعارة خوفاً من التعرّف عليهنّ من قبل أسرهن أو المجتمع المحيط بهنّ. أما اليوم فالأمر مختلف تماماً، فقد أطلق التعليم والعمل إبداعات المرأة الفلسطينية في مجالات الكتابة عبر الصحف والمجلات، فالكتابة عند المرأة تمثّل إحدى الوسائل المتاحة أمامها للتعبير عن قضيّتها وآمالها القومية، ووسيلة تقدّم من خلالها نضال شعبها وصموده. بعض النساء اتخذنّ العمل الإعلامي مهنة لهن وخاصّة في مجال المراسلة والتصوير الصحفي والتلفزيوني، ومنهنّ مَن عملن لشبكات إعلامية عالمية كشبكة CNN ورويترز. عند تشكيل وزارة الإعلام منحت الوزارة عدّة تراخيص لصحف ومجلات نسائية، وفُتح المجال أمام المزيد من الإعلاميات للعمل في هذا الميدان سواء المرئي أو المسموع أو المقروء.وأخيراً نقول إن العروبة هي تلك الفاصلة التي تجمعنا بنساء فلسطين، فمعاناتهن هي معاناتنا ونضالهن هو نضال كل أم وأخت وزوجة ورفيقة درب، لا تحدّنا الجغرافية ولا خطوط طول أو عرض. فعندما نتحدّث عن معاناتهن فهذا أقلّ ما يمكن تقديمه لامرأة الكفاح والتضحية، وهذا ما فعلته محاسن الإمام في كفاح نساء فلسطين، ورغم ذلك بقيت متفائلة وآملة أن غداً سيكون أفضل وأقوى وأصلب… وتستمر المسيرة إلى الحرية.